بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس القضاء لإقليم كوردستان – العراق
الشهادة ودورها في الاثبات للدعوى المدنية
بحث مقدم من قبل
القاضـي
تترخان عبد الرحمن حسن
إلى مجلس القضاء لإقليم كوردستان – العراق
كجـزء مــن شــروط الترقــية للصــنف الأول
من صنوف القضاة
بإشراف القاضي
عبد الله علي الشرفاني
1431 هـ 2710ك 2010 م
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد عندما فكرت ان اكتب في موضوع الشهادة ودورها في الاثبات كان غرضي واهتمامي هو ان احاول تهميش دور الشهادة في الاثبات ولكن بعد الدراسة والبحث ثبت لي بان للشهادة دوراً فاعلاً وايجابياً في اثبات الحقوق وان المجتمع مهما تطور لايستطيع ان يهمل العمل بالشهادة كطريق من طرق الاثبات وان الابقاء عليها مهم لصيانة الحقوق وتعزيز الثقة في التعاملات المدنية . فكما ان قانون الاثبات بشكل عام يقوم بتنظيم المسائل القانونية في المجتمع وان أي نظام قانوني لايكون فيها قانون للاثبات يعتبر نظاماً مبتوراً فنظرية الاثبات من اهم النظريات القانونية في جميع التشريعات الحديثة في العالم واكثرها تطبيقاً في الحياة العملية . فمن هذه الاهمية تاخذ الشهادة باعتبارها احد طرق الاثبات اهمية كبيرة في اثبات الحقوق لان الحق الذي لادليل له كالمعدوم حيث ان (الدليل هو فدية الحق)([1]) كما قال الفقيه الالماني اهرنج.
ان التطور الكبير الحاصل في عالم التكنولوجيا والاتصالات والنواحي التقنية الاخرى أضعفت دور الشهادة في الاثبات ولكنها لم تعدمها حيث انها سوف تبقى طريقاً مهما من طرق الاثبات لان الانسان بنفسه سوف يبقى اهم واعظم من اية آلة او جهاز او تطور حيث انه هو المبدع لهذه الادوات العلمية ولايمكن للانسان ان يخلق شيئاً يكون سبباً في الغاء دوره في الحياة – بعد الدراسة كمااسلفت تأكدت لي اهمية دور الشهادة في الاثبات لذا اصبح الموضوع اكثر تشويقاً لي واكثر اهمية.
بعد هذه المقدمة اريد ان اوضح بانني في البحث القصير والسريع حول موضوع متشعب وطويل قمت بتقسيم الموضوع الى ثلاثة مباحث:
1- المبحث الاول: شروط الاثبات بالشهادة
2- المبحث الثاني: نطاق الاثبات بالشهادة
3- المبحث الثالث: حجية الشهادة
وخاتمة عسى ان اكون قد وفقت في تقديم شيء مفيد لي ولقارئ هذا البحث وفي الاخير ارجو من الله التوفيق لي وللمشرفين على هذا البحث مع جزيل الشكر والاحترام لكل من ساعدني في اتمام هذا البحث وادعوا من الله ان يجعل ذلك في ميزان حسناتهم انه نعم المولى ونعم النصير.
المبحث الاول
شروط الاثبات بالشهادة
(الشهادة لغة مصدر شهد من الشهود بمعنى الحضور والاطلاع وهي خبر قاطع)([2]) والشهادة تعرف بانها اخبار الانسان في مجلس القضاء بحق على غيره لغيره وهي شهادة عن مشاهدة يشهد بما عرفه بحواسه او عن طريق العين (الرؤيا) او السمع او التسامع ولايمكن اعتبار الخبير ومن هو في حكمه شاهداً لانه يدلي بما يعرف بموجب فكر وتخمين وحساب لابموجب ادراك بحواسه([3]).
وكانت الشهادة في القديم هي من اقوى الادلة الثبوتية لانه في القدم لم تكن هناك بدائل للشهادة كالكتابة والادلة المادية التي تعتمد عليها المحاكم في الوقت الحاضر حيث كانت الشهادة تفضل على الكتابة فمن الاقوال المشهورة في هذا الصدد (ان الشهادة افضل من الكتابة) وقد وصفها الفقيه الانكليزي نيثام (انها اعين العدالة واذانها)([4]).
ان الشريعة الاسلامية قد اخذت بمبدأ الشهادة واعطتها اهمية كبيرة حيث تم ذكرها في القران الكريم في سورة البقرة الاية (282) (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى) وكذلك الاية 283 من سورة البقرة ايضاً (ولاتكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه).
كما وردت في سورة الطلاق الاية (2) (فاذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم).
وقد عرّف الشهادة الفقهاء المسلمون بانها اخبار صادق لاثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء ولو بلا دعوى كما عرّفها الحنفية. اما المالكية فانها تعرف الشهادة على انها اخبار الشاهد الحاكم عن علم لا عن ظن او شك ليقضي بمقتضاه وعند الشافعية والحنابلة انها اخبار بحق للغير على الغير([5]). والتعريف الاخير هو ماذهب اليه شراح القانون الوضعي . والشهادة عند اغلب العلماء المسلمين فرض كفاية اذا اداها البعض سقط الواجب عن الجميع وان لم يؤدوا طائفة الشهادة فان الجميع آثم وهذا ما ذهب اليه الشافعية([6]) وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتب ويشهد على التصرفات منعاً لاي نزاع محتمل في المستقبل كما ورد في تقرير حق الانتفاع على ارض مملوكة للدولة لصالح سلمة بن مالك حيث ورد (هذا ما اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن مالك السلمي اعطاه ما بين ذات الخناطي الى ذات الاساور لايحاقه فيها امير).
وشهد على ذلك كل من علي بن ابي طالب وحاطب بن ابي بلتعة([7]).
امافي القانون الوضعي فان للشهادة شروطاً ودوراً ونطاقاً في الاثبات وهذا ماتتطرق اليه في الصفحات التالية.
نتطرق اولاً الى الشروط الواجب توفرها في الشاهد فالفقهاء المسلمون لهم شروط محددة للاخذ بشهادة الشاهد لم يتقيد بها فقهاء القانون الوضعي منها مثلاً الاسلام فهي من الشروط الواجب توفرها عند الفقهاء المسلمين وخاصة اذا تعلق الامر بالخصومة بين المسلمين او كان احد الخصمين من المسلمين ولكن القانون الوضعي قد تجاوز هذا الشرط وتركه للتاريخ يكون تراثاً لهذه الامة الاسلامية لاغير.
اما موضوع تزكية الشهود فهو الاخر لم يتطرق اليه الفقهاء الوضعيون ووضاع القانون مع اهمية الموضوع ووجاهته لانه امر ربما يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر ولهذا جاوزت عنه التشريعات الحديثة حيث ان القانون لايعتد بالشهادة الا اذا كانت امام المحكمة وباذنها حيث لاعبرة باي شهادة تودي خارجها حتى ولو كانت امام موظف عام وسوف نتناول بشيء من التفصيل في الشروط الواجب توفرها في الشاهد في القوانين الوضعية:
1) اهلية الشاهد: اجمعت القوانين على اهلية الشاهد بان يكون في عمر محددة للاستماع لاقواله حيث حدد قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي سن خمس عشرة سنة للاستماع لاقوال الشاهد واذا نزل عمره عن ذلك فتسمع شهادته على سبيل الاستئناس وان قانون الاثبات العراقي قد سكت عن تحديد عمر الشاهد الذي يُعد اهلا لاداء الشهادة بعكس القانون المصري حيث نصت المادة 64 من قانون الاثبات المصري (لايكون اهلاً للشهادة من لم يبلغ سنه خمسة عشرة سنة على انه يجوز ان تسمع اقوال من لم يبلغ هذا السن بغير يمين على سبيل الاستدلال)([8]) وهذا ماذهب اليه قانون اصول المحاكمات العراقي الذي يسير بهديه المحاكم المدنية لسكوت قانون الاثبات العراقي عن ذلك كما اسلفنا ومن اهلية الشاهد ان يكون سليم الادراك لا ان يكون فاقدها بسبب جنون او عته او سكر لايعي ما يقول وان اهلية الشهادة ليست بمعنى لاتقبل شهادة الاعمى او الاخرس او الاصم حيث يمكن الاستماع لشهاداتهم كل حسب ما وصل الى علمه من الشهادة بالحواس التي له واستحصل على المعلومة المراد الاخبار عنها بواسطة الشهادة.
2) ان لايكون الشاهد ممنوعا من الشهادة:
ان هذا الاستثناء يرد على قاعدة سماع شهادة الشاهد الكامل الاهلية حيث منع القانون من الاستماع الى شهادات بعض الاشخاص ولو كانوا كاملي الاهلية ومنهم شهادة احد الزوجين على الزوج الاخر حيث منع قانون الاثبات العراقي في مادته (87) بانه (لايجوز لاحد الزوجين ان يفشي بغير رضا الاخر ماابلغه اليه اثناء قيام الزوجية او بعد انتهائها). (وسبب هذا المنع يرجع الى مراعاة المشرع لما بين الزوجين من مودة ورحمة واسرار زوجية وللحفاظ على مصلحة الاولاد والمجتمع ولايسري هذا المنع على الخطيب والخطيبة اذ لامحل لقياس الخطبة على الزوجين)([9]) وهذا المنع ينتهي بانتهاء العلاقة الزوجية لانه لايكون هناك الحكمة التي من اجلها منع الشاهد من اداء شهادته.
كذلك نصت المادة 88 من قانون الاثبات العراقي بانه (لايجوز للموظفين او المكلفين بخدمة عامة عامة افشاء ماوصل الى علمهم اثناء قيامهم بواجبهم من معلومات لم تنشر بالطرق القانوني ولم تأذن الجهة المختصة في اذاعتها ولو بعد تركهم العمل ومع ذلك فلهذه الجهة ان تأذن لها بالشهادة بناء على طلب المحكمة او احد الخصوم).
كما جاءت في المادة 89 من القانون اعلاه بانه (لايجوز لمن علم من المحامين او الاطباء او الوكلاء او غيرهم عن طريق مهنته بواقعة او معلومات ان يفشيها ولو بعد انتهاء مهمته الا انه يجب عليه الادلاء بالشهادة اذا استشهد به من افضى اليه بها او كان ذلك يؤدي الى منع ارتكاب جريمة).
(عليه فانه لايجوز للموظف او المكلف بخدمة عامة افشاء ما صادر تبليغه اليه على سبيل المسارة في اثناء اشغال وظيفته اذا ترتب عدم الكتمان فيه ضرر ما للمصلحة العامة ذلك ان كل شخص يدعى للشهادة ليس له ان يمتنع عن ادائها ما لم يكن في ادائه لها اخلال بواجب الزمه القانون مراعاته او زعزعته لرابطة يحرص القانون على بقائها وثيقة ولهذه الاعتبارات نص القانون على حالات منع فيها بعض الاشخاص من الشهادة ... فالمكلفين بخدمة عامة لايشهدون عن الوقائع التي بينتها هذه المادة مالم تأذن لهم السلطة المختصة في ذلك حتى تبقى اسرار الدولة مضمون من الاذاعة)([10]).
ما يقال عن الموظفين العموميين يقال عن المحاميين والاطباء والوكلاء اللذين وبواسطة ممارستهم لمهنتهم يصل علمهم الى اشياء هي ربما تكون من الاسرار الشخصية للاشخاص اللذين وثقوا بهم بحكم وظيفتهم وسلموا لهم هذه الاسرار او اطلعوا عليها بحكم عملهم فهؤلاء كذلك لايجوز لهم افشاء هذه الاسرار والتقدم بها باداء الشهادة عن المعلومات التي استحصلوا عليها بحكم ممارستهم لمهنتهم ولكن من الممكن ان يدلوا بهذه الشهادة اذا كان بناءاً على طلب من افضى اليه بها هذه الشهادة أو كان اداء الشهادة يمنع ارتكاب جريمة فهؤلاء الاشخاص اعفاهم القانون من اداء الشهادة.
(والمقصود من هذا النص هو حماية صاحب السر فاوجب القانون على الاشخاص الذين اؤتمنوا على سر من الاسرار بحكم مهنتهم او صناعتهم كتمانها وان يمتنعوا عن اداء الشهادة بشانها امام القضاء الا اذا اذن صاحب السر بذلك ولقد اوردت هذه المادة صنف المحاميين والاطباء وغيرهم من اجل المثال لا الحصر فالمادة المذكورة تشمل كل من في حكمهم من ارباب المهن والصناعات اللذين تقتضي صناعتهم او مهنتهم إتمانهم على اسرار الاخرين كالصيادلة والقابلات والممرضات والمحاسبين وغيرهم من الذين يؤدون صناعات عامة لخدمة الجمهور ولايشمل ذلك بالطبع اصحاب المهن الذين يعملون في خدمة الافراد كالكتبة والخدم والطهاة والسكرتيرين وغيرهم لان صاحب السر ليس مضطراً الى ان يفشي سره لهم)([11]).
(وفي العموم قد يكون الشخص غير اهل لاداء الشهادة فتسمع اقواله بغير يمين – اذا رأت المحكمة ذلك – على سبيل الاستئناس أي على سبيل الاستدلال من ذلك من لم يكمل الخامسة عشرة من عمره ومن لم يكن سليم الادراك بسبب العته او لسبب الهرم مثلا ومن صدرت عليه احكام جزائية تسقط عنه اهلية الشهادة كما هو المعمول به في القانون المصري في المواد 64 و80 من قانون الاثبات و259 و261 من قانون اصول المحاكمات الجزائية المصري . والعبرة في تقدير سن الشهادة او سلامة ادراكه هو وقت الاداء بشهادته لاوقت حصول الواقعة التي يشهد بها)([12]).
كما انه يشترط في الشاهد ان يكون من الغير فلايجوز ان يكون احد الخصوم او من يمثله كالمحامي او الولي او الوصي او القيم شاهداً. كما لايكون المدعي شاهداً كما كانت المادة 479 الملغاة من القانون المدني العراقي تنص على انه ليس لاحد ان يكون شاهداً ومدعياً فلا تصح شهادة الوصي لليتيم ولاشهادة الوكيل لموكله وعندما صدر قانون الاثبات منعت المادة 83 منه ان يكون الشخص شاهداً ومدعياً ذلك ان صفة الشهادة والادعاء صفتان متضادتان ومن ثم فلايجوز ان يكون الشخص شاهداً ومدعياً في آن واحد([13]). اما شهادة الاصول والفروع بعضهم لبعض فان للفقه الاسلامي رأي يرى جواز شهادة الوالدين وان علا للولد وان سفل ولاشهادة للولد وان سفل لهما وان علوا ورأي اخر يجيز ذلك مادام الشاهد عدلا ولايجوز شهادة احد الوالدين على ولده لانه لاتهمة في مثل هذه الشهادة فوجب ان تقبل كشهادة الاجنبي بل هي الاولى ويجوز كذلك شهادة الاخ لاخيه وان كانت المادة 496 الملغاة من القانون المدني العراقي تنص على انه (لاتقبل شهادة الاصل للفرع ولاشهادة الفرع للاصل) وعندما صدر قانون الاثبات جاء خالياً من نص مماثل وقضت محكمة تمييز بانه لايجوز هدر شهادتي شاهدي المدعي بحجة ان الاول زوج ابنته والثاني ابن اخت زوجته عملاً باحكام قانون الاثبات الذي الغى احكام الاثبات الواردة في القانون المدني. واخيراً يلاحظ عدم نص قانون الاثبات على الحالات التي كان القانون المدني ينص عليها ليس معناه ان هذه الحالات اصبحت تقبل فيها الشهادة بشكل مطلق بل نعتقد ان المحكمة واستناداً لما لها من سلطة تقديرية واسعة وفق احكام المادة 82 من قانون الاثبات لها ان تقدر الشهادة من الناحيتين الموضوعية والشخصية([14]).
اما الشروط الواجب توفرها في الشهادة هي ان يكون الشاهد قد حصل على المعلومات التي يدلى بها امام المحكمة بحواسه الخاصة سواء اكان عن طريق السمع او المشاهدة وهذه تسمى الشهادة المباشرة وهي التي يمكن للمحكمة ان تعتمد عليها وربما تكون هناك شهادات غير مباشرة كالشهادة السماعية وهي ان يروي الشاهد الشهادة من شخص آخر شاهد الواقعة المراد الشهادة فيها وان الشهادة السماعية لايؤخذ بها في القضايا المدنية وهذا ما ذهبت اليه محكمة التمييز في قرارها المؤرخ في 24/12/1987 والمتضمن (ان اقرار الورثة بسماعهم من مورثهم بانه مدين للمدعي لاقيمة له قانوناً)([15]).
اما الشهادة بالتسامع وفيها لايروي الشاهد نقلاً عن شخص معين ولا عن واقعة معينة بل يشهد بما هو شائع بين الناس وبما تتناقله الالسن وهذه الشهادة ليست شهادة بالمعنى الصحيح اذ انها لاتقبل في المسائل المدنية اما في قضايا الاحوال الشخصية فان الفقه الاسلامي يقبل الشهادة بالتسامع في حالات معينة وهي الشهادة بالنسب والموت والنكاح والدخول والمهر).
وبهذا القدر نكتفي عن الكلام عن المبحث الاول في شروط الاثبات بالشهادة.
التطبيقات القضائية
قرارات محكمة تمييز العراق
- قرار رقم 769/مدنية رابعة/74 في 21/9/1974
{لايعتد بالشهادة المنصبة على السماع}([16])
- رقم القرار 662/حقوقية رابعة/1970 في 4/11/1970
{يجب ان تؤدي الشهادة امام المحكمة فذكر الشاهد في ورقة التبليغ ان لاشهادة له دون ان يحضر امام المحكمة ويؤيد ذلك لايعتد به}([17]).
- رقم القرار 276/صحية/1964 في 5/3/1964
{ليس للمحكمة ان ترفض سماع البينة الشخصية من تلقاء نفسها وبدون ان يعترض الطرف الآخر على سماعها لان قواعد الاثبات ليست من النظام العام فيجوز لطرفي الخصوم ان يتفقا عليها (م488 مدني)}([18]).
- رقم القرار 223/صحية/1963 في 5/12/1963
{ليس ما يمنع من استماع البينة الشخصية التي استند اليها المدعى عليه لاثبات السداد وان كان المدعي قد استند على بينة تحريرية اذا كان هذا المدعي قد وافق على سماع البينة الشخصية}([19]).
- قرارات محكمة تمييز اقليم كوردستان
- رقم القرار 327/الهيئة المدنية/1996 في 23/12/1996
{ان المحكمة وان كانت لها سلطة تقدير الشهادة من الناحيتين الشكلية والموضوعية بحكم المادة 82 من قانون الاثبات ولكن ينبغي ان تكون الشهادة مستجمعة لشروطها فيجب ان لاتكون على سماع وان يكون المشهود به معيناً تعيناً نافياً للجهالة وعلى المحكمة تكليف الشهود بتحديد ارقام القطع او شهرتها وتعيين اوصافها وحدودها والانتقال الى اماكن القطع المتنازع عليها للاستماع الى شهادات الشهود موقعياً}([20]).
- رقم القرار 191/الهيئة المدنية/1997 في 152/7/197
{ان الشهادات المبنية على السماع لايجوز الاخذ بها قانوناً وبالتالي لاتصلح دليلاً للاثبات لان المفروض في الشهادة ان ترد على الحدث الواقع امام بصر الشاهد وسمعه هو بالذات لا على روايات الاخرين}([21]).
محكمة النقض المصرية
- رقم القرار ---- في 28/2/1957
{محكمة الموضوع ليست ملزمة باجابة طلب الاحالة الى التحقيق مادامت قد وجدت في الدعوى من الادلة ما يكفي لتكوين اعتقادها ولايعيب المحكمة اعتمادها على اقوال شهود سمعوا في غير مجلس القضاء لان المرجع في تقدير تلك الاحوال كقرينة قضائية هو امتناع قاضي الموضوع على ان المحادثة في هذا الخصوص تتعلق بتقدير الدليل في الدعوى مما يستقل به محكمة الموضوع}([22]).
المبحث الثاني
((نطاق الاثبات بالشهادة))
ان نطاق الاثبات بالشهادة بالنسبة للتصرفات القانونية محددة بموجب القانون وقد وضع لها ضوابط على المحكمة مراعاتها عند الاستماع لشهادة الشهود . اما الوقائع المادية فان اثباتها بالشهادة مطلق حيث ممكن ان تثبت بالشهادة جميع الوقائع المادية والتي ربما يستنتج اثباتها ترتيب حقوق تزيد قيمتها على الحد المسموح به الاستماع لشهادة الشهود وتسهيلاً للموضوع سوف نتناول في ثلاثة صور وهي الحالات التي يجوز فيها الاثبات بالشهادة والحالات التي لايجوز الاثبات فيها بالشهادة والاستثناءات الواردة على عدم السماح بالاستماع الى شهادة الشهود.
1- الحالات التي يجوز الاثبات بالشهادة:
وتشمل هذه الحالات جميع الوقائع المادية والتصرفات القانونية التي لاتزيد قيمتها على خمسين دينار ما يعادل (7500) ديناراً حالياً وذلك استناداً لاحكام المادتين 76 و77 من قانون الاثبات العراقي.
حيث ان الوقائع المادية فهي بحسب طبيعتها لايتيسر اثباتها بالكتابة ولذلك كان الاصل فيها جواز اثباتها بطرق الاثبات كافة بما فيها الشهادة([23]).
ومن الامثلة على الوقائع المادية حيث لايمكن حصرها الافعال الضارة مثلاً وهي {من اصابه ضرر بفعل غيره وطالب بالتعويض عليه ان يثبت اركان المسؤولية الثلاث وهي الضرر والخطأ والرابطة السببية بينهما . وكل ركن من تلك الاركان يعتبر واقعة مادية يجوز اثباتها بالشهادة والقرائن}([24]).
وكذلك الاخلال بالتزام عقدي فيجوز اثبات هذا الاخلال بكافة طرق الاثبات وبما فيها الشهادة وكذلك الفضالة ودفع ما لايجب والكسب دون سببب فهذه افعال يمكن اثباتها بكافة طرق الاثبات بما فيها الشهادة.
وكذلك بالنسبة لموضوع وضع اليد والاستيلاء على ملك الغير واثبات الوقائع الطبيعية من فيضانات وزلازل وهطول امطار ونضوج الثمر وميلاد الانسان فهذه وقائع مادية يجوز اثباتها بالشهادة.
وكذلك التصرف القانوني الذي لايزيد قيمته عن خمسين ديناراً ما يعادل (7500) ديناراً حالياً يجوز اثباتها بالشهادة (ان المشرع تيسيراً للتعامل رأى بان لايطبق قاعدة وجوب اثبات التصرف القانوني بالكتابة الا اذا تجاوز هذا التصرف حداً أي قيمة معينة وهذا الحد في القانون العراقي خمسون دينار ما يعادل (7500) ديناراً حالياً وفي القانون المصري عشرون جنيهاً واربعين الف ليرة وفقاً للقانون اللبناني)([25]).
(وتجدر الاشارة الى ان قانون الاثبات الغى قاعدة حرية الاثبات في الامور التجارية فاوجب الاثبات بالدليل الكتابي اذا كانت قيمة التصرف القانوني تزيد على خمسين ديناراً ما يعادل (7500) ديناراً حالياً سواء اكان هذا التصرف مدنياً او تجارياً . وقد انفرد المشرع العراقي بهذا الاتجاه الجديد دون سائر التشريعات العربية التي تجمع على ان الاصل في الامور التجارية اثباتها بطرق الاثبات كافة لما تقتضيه التعامل التجاري من سرعة وتبسيط . ونعتقد بان المشرع العراقي كان موفقاً في الغائه قاعدة حرية الاثبات في الامور التجارية في الوقت الحاضر. وذلك لما نلاحظه اليوم ان التجار انفسهم يلتجئون الى الكتابة في تمشية معاملاتهم التجارية لسهولتها ولما تمنحه من ثقة لهم)([26]).
2- الحالات التي لايجوز الاثبات فيها بالشهادة:
هناك حالات حددتها المادة 77/ثانياً والمادة 79 من قانون الاثبات العراقي منعت فيها الاثبات بالشهادة وهذه الحالات هي:
اولاً: مازاد قيمته عن خمسين ديناراً او كان غير محدد القيمة:
منعت المادة 77/ ثانياً من قانون الاثبات اثبات التصرف القانوني او انقضائه اذا كانت قيمته تزيد على خمسين دينار ما يعادل (7500) ديناراً حالياً او كان غير محدد القيمة الا اذا وجد اتفاق او قانون ينص على خلاف ذلك (وقد سبق ان رأينا المقصود بالتصرف القانوني المحدد القيمة وغير محدد القيمة ان العبرة في تقدير قيمة التصرف هو وقت حصول التصرف لا وقت الوفاء وما يترتب على ذلك من نتائج فاذا ادعى المدعي انه قد دفع للمدعى عليه مبلغاً قدره الف دينار تعويضاً عن حادث دهس ولده واتفق معه على اعادة المبلغ المذكور له في حالة تسلمه تعويضاً عن الحادث من شركة التأمين الوطنية فلا يصح اثبات هذا الاتفاق بالشهادة ويعتبر المدعي عاجزاً عن الاثبات في حالة عجزه عن الاثبات بدليل كتابي معتبر وله في هذه الحالة تحليف المدعى عليه اليمين الحاسمة)([27]).
وكذا الحال بالنسبة للقانون المصري فان المادة (60) من قانون الاثبات المصري تنص (في غير المواد التجارية اذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على عشرين جنيهاً او كان غير محدد القيمة فلا يجوز شهادة الشهود في اثبات وجوده او انقضائه ما لم يوجد اتفاق او نص يقضي بغير ذلك . ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف واذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة من مصادر متعددة جاز الاثبات بشهادات الشهود في كل طلب لاتزيد قيمته على عشرين جنيهاًت ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة)([28]).
ثانياً: كذلك لايجوز الاثبات بالشهادة فيما اذا اريد به مخالفة او مجاوزة ما اشتمل عليه الدليل الكتابي ففي هذه الحالة حتى اذا كان قيمة التصرف القانوني يقل عن خمسين ديناراً فلا يجوز اثباته بالشهادة وهذا ما قضت به محكمة تمييز العراق (اذا ابرم عقد الايجار بصورة تحريرية فيجب اثبات تسديد الاجرة ببينة تحريرية ولو كانت تقل عن عشرة دنانير)([29]).
وعلى ذلك فان القانون يشترط في عدم القبول بالاثبات بالشهادة فيما جاوز الدليل الكتابي بان يكون هناك دليل كتابي فعلا وهي السندات المعدة للاثبات فقط كالسندات الرسمية والعادية والرسائل الموقع عليها اما الدليل الكتابي غير المعد للاثبات كالدفاتر التجارية فيجوز اثبات عكس ما ورد فيها بكافة طرق الاثبات والشرط الثاني ان يكون المطلوب اثباته يخالف او يجاوز ما اشتمل عليه الدليل وهذا يعني بان الاثبات بالشهادة يؤدي الى تكذيب ما هو موجود بالدليل الكتابي.
كما انه هناك شروط اخرى تقضي بها القواعد العامة وهي (يجب ان يكون الخصم الذي يريد اثبات ما يخالف او مايجاوز ما اشتمل عليه الدليل الكتابي طرفاً في التصرف القانوني الذي ثبت بهذا الدليل ذلك لان نطاق تطبيق هذه القاعدة يقتصر على المتعاقدين اما الغير فلا يلتزم بشرط الكتابة في اثبات الثابت كتابة ويجوز له اثبات ما يخالف او مايجاوز الكتابة بشهادة الشهود والقرائن. فاذا كان العقد الصوري مثلاً ثابتاً بالكتابة فلا يجوز للمتعاقدين اثبات الصورية الا بالكتابة حتى ولو كانت قيمة التصرف القانوني لايتجاوز الشهادة. اما الغير فالصورية تعد له واقعة مادية يجوز له اثباتها بطرق الاثبات كافة مهما كانت قيمة التصرف القانوني الثابت بالسند ... ويجب ان لايكون المطلوب اثباته وجود غش او احتيال على القانون فاذا كان اثبات هذه القاعدة يكشف عن غش او تحايل فانه يجوز الاثبات بالشهادة ومثال ذلك ان يكون سبب الدين قماراً فيكتب المتعاقدان انه قرض . يجوز للمدين ان يثبت ما يخالف الكتابة بالشهادة ليثبت على ان السبب الحقيقي للدين هو القمار لا القرض)([30]).
ثالثاً: الحالات التي يجوز فيها استثناء الاثبات بالشهادة:
هناك حالات سمح القانون الاثبات بها بالشهادة استثناءاً من القاعدة العامة التي لاتسمح الاثبات بالشهادة في التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن خمسين ديناراً ومن هذه الحالات حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة وحالة فقدان السند الكتابي بسبب لادخل لارادة صاحبه فيه وحالة وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابي وحالة وجود اتفاق او قانون يجيز الاثبات بالشهادة في التصرفات اتلتي تزيد قيمتها على خمسين ديناراً وسنتناول هذه الحالات بالتفصيل:
أ- حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة: تنص المادة (78) من قانون الاثبات العراقي (يجوز الاثبات بالشهادة في التصرفات القانونية حتى لو كان التصرف المطلوب تزيد قيمته على خمسين ديناراً اذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . ومبدأ ثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر من الخصم يكون من شأنها ان تجعل وجود الحق المدعى به قريب الاحتمال) . واضح هنا كيفية اعمال هذه الحالة حيث حدد القانون كيفية الاستماع الى شهادة الشهود استثناءاً وهي حالة وجود مبدا ثبوت بالكتابة صادر من الخصم وان هذا الدليل بوحده لايكفي للاثبات ويعززها الشهادة.
(ويشترط لتوافر مقومات مبدأ الثبوت بالكتابة ان يكون ثمة محرر وان يكون هذا المحرر صادراً ممن يحتج به عليه وان يكون من شأنه ان يجعل الالتزام المدعى به قريب الاحتمال.
ولايلزم ان تكون الورقة موقعة ومعدة للاثبات بل يكتفي باي ورقة كالرسائل او المذكرات الخاصة او الدفاتر المنزلية او صور السندات الرسمية في جميع الاحوال التي لاتكون فيها هذه الاوراق دليلاً كاملاً للاثبات ، وصور السندات العادية اذا كانت بخط يد المدين والاقوال المدونة في محضر التحقيق او مذكرة مقدمة في الدعوى . ويجوز ان يستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من مجموع اوراق متفرقة لا من ورقة واحدة)([31]).
كما انه يجب ان يكون هذا المحرر صادراً ممن يحتج بها عليه اي ان يكون صادراً من الخصم . مثلاً ان تكون بخط يده او وجود توقيع له عليها ويجب ان يعترف الخصم بهذا المحرر لا ان ينكره وتعتبر الورقة الصادرة من الخصم اذا كانت صادرة ممن يمثله قانوناً كالوكيل او الوصي او القيم في حدود ما يسمح القانون لهم بالتصرفات التي يجرونها عن وكلائهم او من يمثلهم . كما انه يجب ان يكون هذا المحرر ان يجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال (فلا يكفي ان تكون الورقة المقدمة كمبدأ ثبوت بالكتابة من شانها ان تجعل المراد اثباته محتملاً بل يجب ان يجعل هذا الامر مرجح الحصول لا ممكن الحصول فحسب ومثال ما يجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال الرسالة التي يطالب فيها مرسلها من شخص اخر بان يقرضه مبلغاً من المال او ان يشكره على اقراضه له دون ان يحدد مبلغ القرض )([32]).
ب- حالة فقدان السند الكتابي: نصت المادة (18) من قانون الاثبات العراقي بانه (يجوز ان يثبت بجميع طرق الاثبات ما كان يجب اثباته بالكتابة في حالتين اولاً: اذا فقد السند الرسمي بسبب لادخل لارادة صاحبه فيه) – وهذا يعني بانه كان لدى المدعي سند رسمي وانه فقد هذا السند بسبب لادخل له في موضوع الفقدان مثلا ان يضيع السند في حالة تعرض داره لفيضان او تعرضه لحادث سيارة او احتراق محتويات مكتبه وغيرها من الحالات مما يكون عذراً له يسمح له القانون اثبات حقه بالشهادة ولكن لجواز الاثبات بالشهادة في هذه الحالة يجب ان تتوفر بشرط وهو سبق وجود سند كتابي لدى من يطلب الاثبات بالشهادة وان يكون هذا الفقدان للسند الكتابي لسبب خارج عن ارادة صاحبه (اما اذا كان فقدان السند بسبب اهمال صاحبه فلايجوز له ان يحتج بوجود السبب الاجنبي ، وهذا الاخير واقعة مادية يجوز اثباتها بطرق الاثبات كافة بماا فيها الشهادة)([33]).
اما اذا فقد السند الرسمي وممكن الحصول على صورة طبق الاصل من جهة الاصدار وفي هذه الحالة تكون له قوة السند الرسمي اذا كانت مطابقة للاصل المحفوظ في جهة الاصدار.
ج- وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابي:
نصت المادة (18) من قانون الاثبات العراقي بانه (يجوز ان تثبت بجميع طرق الاثبات ما كان يجب اثباته بالكتابة في حالتين اولا: ........... ثانياً: اذا وجد مانع مادي او ادبي حال دون الحصول على دليل كتابي) يكون المرء في كثير من الاحيان امام ظروف غير اعتيادية او احوال يفرض عليها العرف او العادات ان لايتمكن من الحصول على دليل كتابي في التصرفات القانونية التي يقوم بها والتي تزيد قيمتها عن الحد القانوني لان طبيعة العمل او طبيعة العلاقة بين المتعاقدين تمنع الحصول على دليل كتابي فهنا نكون اما امام مانع مادي (ويتوافر المانع المادي اذا تم التصرف القانوني في ظروف لم يكن لدى اصحاب الشان فيها فسحة من الوقت او وسيلة للحصول على دليل كتابي . ومن قبيل ذلك ما ينشأ من تصرفات قانونية عند وقوع حادث مفاجيء كالحريق او الفيضانات . ومن الامثلة التقليدية التي تساق في هذا الشأن الوديعة الاضطرارية)([34]).
ومن الموانع المادية الاقتراض في ظروف طارئة او في احوال مستعجلة كمن يقترض من صديق وهو على وشك السفر. وكذلك هناك المانع الادبي او المعنوي من الحصول على دليل كتابي وهذا ما نراه في تعامل الاقرباء فيما بينهم وخاصة تعامل الازواج مع بعضهم او الاصول والفروع والاخوة والاخوات ففي هذه الحالات يصعب الطلب من الطرف الاخر استحصال توقيعه على سند قرض او عقد مشاركة او اي تصرف قانوني اخر حيث ان صلة القرابة يكون مانعاً ادبياً من الحصول على دليل كتابي وكذلك الحال في بعض المهن (فالمتتبع في بعض المهن كمهنة الطب مثلاً ان الطبيب او المريض لايطالب احدهما الاخر بالكتابة وكذلك التاجر فيما يورده من حاجيات منزلية الى عملائه يمتنع عليه ادبياً وبحكم العادة ان يطلب سنداً كتابياً من رب او ربة المنزل لما يورده حتى ولو تجاوزت قيمة هذه الحاجيات نصاب البينة كذلك الحال فيما يتعلق بالعميل والحائك او بالخادم ومخدومه)([35]).
فالروابط الاسرية تثير مانعاً ادبياً يمنع صاحبه من الحصول على دليل كتابي وذلك للاعراف والتقاليد المتبعة في المجتمع ولما للعلاقات الاسرية من قدسية لدى المجتمع والافراد {ان صلة القربى بين الاصل وفرعه تعتبر مانعاً ادبياً كذلك الرابطة الزوجية ولايمنع انحلال هذه الرابطة من قبول الاثبات بالشهادات في التصرفات التي تمت وقت قيام الزوجية فاذا ادعى الزوج انه وضع لدى زوجته امانة مبلغ ثلاثة الاف دينار وانكرت الزوجة ذلك فيجوز اثبات الادعاء بالبينة الشخصية استناداً لاحكام المادة 18/2 من قانون الاثبات لوجود المانع الادبي. واذا كان المدعى عليه هو والد المدعية فيحق لها اثبات دعواها بالبينة الشخصية وان تجاوز المدعى به الخمسين ديناراً عملاً باحكام المادة (18/2) اثبات.
وكذلك قيام الخطبة يعد مانعاً ادبياً يصلح معه الركون الى البينة الشخصية لاثبات ما يجب اثباته بدليل كتابي . ولايقبل الاثبات بالشهادة اذا ثبت من اوراق الدعوى ان جميع مكائن المفقس موضوع الدعوى مسجلة باسم المدعى عليه (الاخ الكبير للمدعين) في الدائرة الرسمية المختصة بتسجيل مثل هذه المكائن وان المدعين عجزوا عن اثبات ما يخالف شهادات تسجيلها وان البينة الشخصية التي طلب المدعون من المحكمة استماعها لاثبات ما يخالف هذه الشهادات بسبب المانع الادبي بين طرفي الدعوى لاترد في مثل هذه الدعوى وانما ترد في العقود الملزمة للطرفين التي لايشترط القانون لانعقادها شكلية معينة وليس شهادة تسجيل المكائن التي لاتقبل ضدها بينة شخصية او تحريرية}([36]).
د- وجود اتفاق او نص قانوني يجيز الاثبات بالشهادة:
نصت المادة 77/ ثانياً من قانون الاثبات العراقي على انه (اذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على خمسين ديناراً وكان غير محدد القيمة فلا يجوز اثبات هذا التصرف او انقضائه بالشهادة ما لم يوجد اتفاق او قانون ينص على خلاف ذلك). (فاذا كان هناك اتفاق بين طرفي العقد او سمح اي طرف للطرف الاخر اثبات ادعائه بالشهادة فان القانون يجوز ذلك لان قواعد الاثبات ليست من النظام العام فيجوز ان يتفقا على خلافها)([37]).
كما ان قانون العمل النافذ في مادته 30 ينص على انه في حالة عدم كتابة العقد فاللعامل ان يثبت العقد والحقوق الناشئة عنها بجميع طرق الاثبات وهذا يعني امكان اثبات عقد العمل بين العامل ورب العمل بالشهادة حتى اذا زادت قيمته عن الحد المسموح به قانوناً الاثبات بالشهادة.
{لان عقد العمل ليس من العقود الشكلية وانما هو من العقود الرضائية. غير ان المادة المذكورة سمحت للعامل ان يثبت وجود العقد المبرم بينه وبين رب العمل بالشهادة ولو زاد مبلغه عن خمسين ديناراً او كان غير محدد القيمة . هذا اذا لم يكن عقد العمل مكتوباً اما اذا كان ذلك العقد مكتوباً فليس للعامل ان يثبت خلافه الا بالكتابة نزولاً لاحكام الفقرة اولاً من المادة 79 اثبات . وكل ذلك رعاية للعامل وهو الطرف الاضعف اقتصادياًً في العقد . وهذا النوع من التطور القضائي في الاثبات حيث يمتد الى حماية الضعيف في الخصومة فييسر له قواعد الاثبات}([38]).
وبهذا القدر نكتفي بالكلام عن نطاق الاثبات بالشهادة وان الكلام فيه يطول كثيراً وما قدمناه كان مختصراً ارجو ان يكون مفيداً.
وندرج ادناه عدداً من المباديء القانونية الواردة في القرارات التمييزية.
التطبيقات القضائية
- رقم القرار 10/الهيئة العامة/1997 في 19/5/1997 محكمة تمييز اقليم كردستان
{ان المانع الادبي الذي تمسك به المدعي والذي ادعى انه حال دون تحرير سند بالمبلغ المدعى به بحجة وجود صلة القرابة بينه وبين خصمه ، قد اصبح غير ذي موضوع بعد ان تأيد للمحكمة بانه تم الاتفاق بينهما على تنظيم الكمبيال بالمبلغ المدعى به وبذا ينقضي المانع الادبي}([39]).
- رقم القرار 261/الهيئة المدنية/1995 في 3/2/1996 محكمة تمييز اقليم كردستان العراق
{لايجوز التوسع في تفسير المانع الادبي وجعله وسيلة لاهدار حكم النصوص القانونية كما ان مجرد الصداقة لايمكن اعتبارها مانعاً ادبياً}([40]).
- رقم القرار 202/الهيئة المدنية/1993 في 22/11/1993 محكمة تمييز اقليم كردستان العراق
{لايجوز الاثبات بالشهادة فيما يخالف او يجاوز ما اشتمل عليه الدليل الكتابي حتى ولو كان التصرف القانوني المطلوب لاتزيد قيمته على خمسين ديناراً}([41]).
- رقم القرار 10/الهيئة المدنية/1998 في 20/1/1998
{ان مبدا الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم يكون من شانها ان تجعل وجود الحق المدعى به قريب الاحتمال . وان قانون الاثبات لم يعط لصورة السند العادي اي قيمة قانونية كما هو الحال بالنسبة لصورة السند الرسمي لذا كان المقتضى عدم اتخاذ النسخة المصورة كمبدأ ثبوت بالكتابة}([42]).
- رقم القرار 65/ت/2007 في 25/2/2007 الصادر من محكمة استئناف منطقة السليمانية بصفتها التميزية
{ان عدم وجود محرر كتابي يثبت فيه تعهد المالك بنقل ملكية العقار لايجيز الاثبات بالشهادة اذ لايعتبر التعهد بنقل الملكية تصرف مادي كي تثبت بالبينة الشخصية الا اذا وجد مانع ادبي}([43]).
- رقم القرار 104/حقوقية 1984 في 15/12/1984 محكمة استئناف التاميم بصفتها التمييزية
{ان عقد بيع العقار تصرف قانوني لايجوز اثبات وجوده او انقضائه بالشهادة اذا زادت قيمته على الخمسين ديناراً عملاً بحكم المادة 77/اولاً من قانون الاثبات ، وحيث ان قيمة التصرف القانوني في واقعة الدعوى كما ورد بعريضتها هو مائة دينار ، لذا لايجوز اثبات عقد البيع بالشهادة اعمالاً بالنص المذكور}([44]).
- رقم القرار 3038/حقوقية/84 في 15/12/1984 محكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية
{ويجوز الاثبات بالشهادة في التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن خمسين ديناراً اذا وجد مبدا ثبوت بالكتابة عملاً باحكام المادة 78 من قانون الاثبات . ليس للمحكمة الامتناع عن استماع شهادات الشهود بحجة انهم موظفون لدى الدائرة المدعى عليها التي استشهدت بهم ولذلك يفتقر الى الحياد بل على المحكمة استماع الشهادات ومن ثم تقدير الاخذ بها من عدمه عملاً باحكام المادتين 82 و85 من قانون الاثبات}([45]).
- رقم القرار 593/الهيئة المدنية الاولى/2007 في 25/11/2007 محكمة تميز اقليم كردستان العراق
{ان على المحكمة التحقق من وجود علاقة حب وغرام بين الطرفين المتداعين فان ثبت وجود مثل تلك العلاقة ينهض المانع الادبي مما يستوجب الاستماع للبينة الشخصية في الاثبات حيث ان الفقرة 3 من المادة (18) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل لم تعين المانع الادبي بل جاءت بصيغة عامة مطلقة فقد تكون صلة من الصلات او علاقة من العلاقات مانعة في حالة وغير مانعة في حالة اخرى تبعاً لطبيعة تلك الصلة او العلاقة لذا كان المقتضى على محكمة الموضوع التحري عن طبيعة العلاقة الموجودة بين طرفي الدعوى وفيما اذا كانت مؤثرة الى الحد الذي يمنع احدهما من مطالبة الاخر بدليل كتابي ام على العكس من ذلك ثم بناء حكمها على طبيعة تلك العلاقة تحقيقاً للعدالة}([46]).
محكمة النقض المصرية
- رقم القرار 98 في 23/5/1975
{ان ما يخلفه مورث ما لورثته مما كان في حيازته مادياً من عقار او منقول او نقد. وكذلك استيلاء وارث ما على شيء من مال التركة عقاراً كان او منقولاً او نقداً كل ذلك من قبيل الوقائع المادية التي لاسبيل لاثباتها الا بالبينة وانما الذي يطلب فيه الدليل الكتابي هو العمل القانوني التعاقدي الذي يراد ان يكون حجة على شخص ليس عليه او على من هو مسؤول قانوناً عنهم دليل قانوني يدل عليه}([47]).
- رقم القرار 212 في 26/11/1959
{وضع اليد واقعة مادية يجوز اثباتها بكافة طرق الاثبات من أي مصدر يستقي القاضي منه دليله ولو كان هذا المصدر اقوالاً وردت في شكوى ادارية}([48]).
محكمة النقض السورية
- رقم القرار 3079 في 30/12/1965
{وحيث ان حسن النسية في الوقائع المادية التي يجوز اثباتها بجميع طرق الاثبات فانه كان يتعين على الحاكم ان يستجيب لطلب الاثبات بالبينة الشخصية التي عرضها الطاعن وان تستقصي عند الاقتضاء عن تاريخ اقامة البناء وما اذا كان المالك الاصلي المطعون ضده قام بمعارضة الباني ام لا . وفي حالة عدم حصول المعارضة سؤاله عن سبب سكوته لتستطيع على ضوء ذلك ان تستخلص ما اذا كان الباقي الطاعن حسن النية ام سيء النية عند اقدامه على البناء وبما انها لم تنتهج هذا النهج فقد عرضت حكمها للنقض}([49]).
- رقم القرار 747 في 20/4/1963
{وكان الخلاف بين طرفي الدعوى في مواصفات العمل وكانت هذه المواصفاعت تدخل في اطار الامور المادية الجائز اثباتها بالبينة الشخصية وبالكشف الحسي . كان رد القاضي للدعوى على اعتبار ان قيمتها تشكل التزاماً تزيد قيمته عن مائة ليرة سورية بعد الاعتراف الصريح الصادر عن وكيله في غير محله مما جعل الحكم مختلاً وحرياً بالنقض}([50]).
محكمة النقض اللبنانية
- رقم القرار 86 في 30/10/1972
{ان تاريخ انشاء السند هو واقعة مادية يمكن عند اغفال ذكره اثباته بكافة طرق الاثبات}([51]).
المبحث الثالث
((حجية الشهادة))
ان الشاهد عندما يؤدي شهادته بالوقائع التي شاهدها او سمعها ومتعلقة بالدعوى فانه يؤدي هذه الشهادة تحت تأثير القسم ويفترض فيه الصدق والامانة والحياد ومع ذلك فانه لايكون ملزماً للقاضي الاخذ بها لان الشهادة ليست كالدليل الكتابي ملزماً للمحكمة وانما للقاضي صلاحية واسعة في الاخذ بها او طرحه جانباً (لاجدال في ان للقاضي سلطة واسعة في تقدير الاثبات بشهادة الشهود وهذه السلطة تفوق كثيراً ما للقاضي من سلطة تقديرية بالنسبة الى الكتابة . فبينما يعتبر الدليل الكتابي تفريعا على تهيئة حجة بذاته فيفرض سلطانه على القضاء ما لم يطعن فيه بالتزوير او ينقضي باثبات العكس . تترك البينة (شهادة الشهود) على نقيض ذلك لتقدير القاضي ويكون له كامل السلطة في تقدير قيمتها اي كان عدد الشهود وايا كان صفاتهم دون ان يخضع في تقديره هذه لرقابة محكمة النقض)([52]).
(ومتى انتهى التحقيق كان للمحكمة الحرية المطلقة في تقدير شهادة الشهود واعتبارها كافية للاثبات او غير كافية)([53]).
وكذلك نصت المادة 82 من قانون الاثبات العراقي المرقم 107 لسنة 1979 المعدل (لمحكمة الموضوع تقدير الشهادة من الناحيتين الموضوعية والشخصية ولها ان ترجح شهادة على اخرى وفقا لما تستخلصه من ظروف الدعوى على ان تبين اسباب ذلك في محضر الجلسة). وبناءاً على ذلك اعطى المشرع العراقي واسع الحرية للقاضي في تقدير الشهادة من الناحيتين الشخصية والموضوعية مما يعطي للقاضي هيمنته على الدعوى وتسيرها بالشكل الذي تتطلب العدالة لا رغبة الخصوم وان يكون قناعته على ضوء اعتقاده الشخصي بالشهادات المؤداة من ناحية تقدير اشخاص الشهود من مدى علمهم بالواقعة التي يشهدون بها ومدى دقته لرواية الحدث ومدى صدقه في هذه الرواية . (ولهذا فهو يبحث في الحقيقة في اقوال الشهود ليستطيع ان يأخذ بهذه الاقوال ويستطيع ان لايأخذ بها . ولا اهمية في ذلك لعدد الشهود فرب شاهد واحد تكون اقواله محل الثقة واعتماد اكبر من عدة شهود اخرين لعدم الثقة بها ولو اتفقت اقوالهم . لان الشهادة حجة مقنعة وغير ملزمة فالقاضي يسمع الشهادة ويبقى حراً في تكوين اعتقاده منها وفي اعتبارها والاخذ بها او اهمالها وطرحها فهي حجة غير قاطعة وما يثبت به يقبل النفي بشهادة اخرى او باي طريق اخر من طرق الاثبات)([54]).
(وعلى النقيض من ذلك قد تكون الوقائع المراد اثباتها بعيدة الاحتمال لايرى القاضي سبيلا الى الاقتناع بالبينة في اثباتها وقد تكون هذه الوقائع قد طال عليها العهد بحيث يتعذر اثباتها بالبينة . وتبعاً لذلك قد يرى القاضي ان البينة غير مستساغة فلا يسمح بها بالرغم من ان القانون يجيزها في الاثبات)([55]).
نستخلص من كل ما تقدم ان الشهادة حجة غير ملزمة للمحكمة ولايكون لها قوة كقوة الدليل الكتابي بان تفرض نفسها على المحكمة او القاضي لايستطيع ان يحيد عنها بل ان (للمحكمة والقاضي اذا رأى ان الاثبات بالبينة مستساغاً وقدر ان الوقائع المراد اثباتها متعلقة بالحق المدعى به ومنتجة في الاثبات وسمع الشهود في هذه الوقائع فان له بعد ذلك كله سلطة واسعة في تقدير ما اذا كانت شهادة هؤلاء الشهود كافية في اثبات هذه الوقائع من عدمه)([56]).
فللقاضي ان يؤثر شهادة شاهد على أخر وان يرجح شهادة على اخرى ولها ان ترد شهادة شاهدين او اكثر اذا لم تقتنع بها (ومع ذلك فان العبرة بوزن الشهادة وقيمتها لابكثرتها وقلتها ذلك ان الشهود قد يتعددون ومع ذلك تتناقض اقوالهم اما لخطئهم غير المقصود واما لحصول النسيان وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على ان لمحكمة الموضوع مطلق السلطة في تقدير اقوال الشهود وان تأخذ ببعضها وتطرح مالا يطمئن اليه من اقوالها لانها لاتخرج عن كونها دليلاً في الدعوى خاضعاً للتقدير)([57]).
فالشهادة حجة غير قاطعة كما هي غير ملزمة للمحكمة فان للخصم الذي ثبت الدعوى في مواجهته بالشهادة له ان يثبت عكس ذلك سواء بشهادة الشهود او أي بينة اخرى تثبت عكس ما ثبت بالشهادة لانها حجة كما قلنا غير قاطعة قابلة لاثبات العكس بعكس الاقرار البين (أي ان ما يثبت بها يقبل النفي بشهادة اخرى او باي طريق اخر من طرق الاثبات فيعتبر ما ثبت بالشهادة صحيحاً الى ان يثبت عكسه قبل الحكم به ولذلك نص المادة 69 من قانون الاثبات (المصري) على ان الاذن لاحد الخصوم باثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضي دائماً ان يكون للخصم الاخر الحق في نفيها بهذا الطريق)[58]).
كما ان الشهادة تعتبر حجة متعدية فهي تتعدى ما يثبت بها في الحكم الجميع فهو حجة على الكافة (لانها صادرة من شخص عدل خالي المصلحة في النزاع لايهمه ان يجابي احداً من الاخصام ولان للقاضي سلطة مطلقة في تقديرها وتكوين اعتقاده منها وهي تختلف في ذلك عن الاقرار)([59]). فان ما يثبت بالشهادة يعد ثابتاً بالنسبة للجميع (كما هو الحال في الاثبات بالدليل الكتابي فاذا اقتنعت المحكمة بصدق الشهادة واذ يفترض فيها انها صادرة من اشخاص لامصلحة لهم في الدعوى وان هذه الشهادة تصبح حجة بذاتها وتشمل قوتها الخصوم والغير وذلك على خلاف الاقرار واليمين فالاثبات فيها حجة قاصرة على من صدر منه وقد جاء في المادة (78) من مجلة الاحكام العدلية (ان البينة حجة متعدية والاقرار حجة قاصرة))([60]).
واخيراً فان الشهادة حجة مقيدة لايجوز الاثبات به في جميع الاحوال حيث ان المشرع قد قيد الاثبات بها لاحتمال ان تكون الشهادة كاذبة غير صحيحة او مجاملة لطرف على حساب طرف اخر لذلك فضل عليه الكتابة وان المشرع قصر في الاثبات به في الوقائع المادية والتصرفات القانونية ذات الاهمية القليلة وكما اسلفنا في بحثنا هذا في المبحث الثاني فان الشهادة لاتقبل الا في مجالات محددة في التصرفات القانونية وورد فيها استثناءات محددة للاستماع الى الشهادة في الامور المهمة وذلك على خلاف الدليل الكتابي الذي اعتبره المشرع العراقي والمصري وغيره من المشرعين في الدول العربية قوة مطلقة في الاثبات.
(ولم يشر قانون الاثبات الى رجوع الشاهد عن شهادته وذلك بان ينفي الشاهد ما اثبته بشهادته كان يقول رجعت عن شهادتي او كذبت في شهادتي وقد اشار مجلة الاحكام العدلية الى حكم الرجوع عن الشهادة ورتبت على رجوع الشاهد عن كل شهادته او بعضها قبل صدور الحكم سقوط الشهادة وتعزيز الشاهد فجاء في المادة (1728) على انه (اذا رجع الشهود عن شهاداتهم في حكم العدم ويعزرون).
والتعزير هو التاديب الشرعي فيما دون الحد اما اذا رجع الشاهد عن شهادته بعد الحكم فان حكم القاضي لاينقض لان الحكم بني على دليل شرعي فلا وجه لنقضه . اذ ان الاحتجاج بالتناقض شرط ان لاينقض معه حكم القاضي . وقد نصت المادة (80) من مجلة الاحكام العدلية على انه: ((لاحجة مع التناقض لكن لايختل حكم القاضي فلو رجع الشاهد عن شهادتهما لاتبقى شهادتهما حجة . اما لو كان القاضي قد حكم بما شهدا به اولاً لاينقض ذلك الحكم وانما يلزم على الشاهدين ضمان المحكوم به)). وعليه فان رجوع الشاهد عن شهادته بعد القضاء وان كان لاينقض معه حكم القاضي يترتب عليه ان يضمن الشاهد للحشود عليه ما اتلفه بشهادته الاولى)([61]).
التطبيقات القضائية
- رقم القرار 127/الهيئة المدنية/1993 في 1/9/1993 محكمة تمييز اقليم كردستان العراق
{ان شهادات الشهود قد جاءت مقتضبة وبدون تحديد كميات العمل المنجز من قبل المدعيين . فكان المقتضي التحقق من ذلك اولاً ومن ثم تقدير قيمة الاعمال التي قام بها المدعيان}([62]).
- رقم القرار 161/الهيئة المدنية/1993 في 4/10/1993 محكمة تمييز اقليم كردستان العراق
{حيث ان شهادات الطرفين لم توافق الدعوى والدفع ولم تتوافق بعضها مع بعض فكان المقتضي تكليف المدعى عليه بتقديم بينة تثبت تنازل المدعية له عن الحلى الذهبية وعند عجزه منحه حق تحليف المدعية اليمين الحاسمة لافتقار الشهادات التي قدمها الى الجزم المطلوب بجلب القناعة}([63]).
- رقم القرار 23/الهيئة المدنية/1996 في 4/3/1996 محكمة تمييز اقليم كردستان العراق
{ان محكمة الموضوع لم تقتنع بشهادات شهود المدعية بما لها من سلطة تقديرية من الناحيتين الموضوعية والشخصية طبقاً لحكم المادة 82 من قانون الاثبات}([64]).
- محكمة النقض المصرية – تاريخ القرار 13/12/1962
{تقدير شهادات الشهود واستخلاص الوقائع منها مما يستقل به قاضي الموضوع فهو غير ملزم بتصديق الشاهد في كل اقواله بل له ان يطرح مالا يطمئن اليه وجدانه كما ان له ان يأخذ بمعنى للشهادة دون معنى اخر تحتمله ايضاً متى كان المعنى الذي اخذ به لايتجافى مع مدلولها ومن ثم تكون المجادلة في ذلك جدلاً موضوعياً لاتجوز اثارته امام محكمة النقض}([65]).
- محكمة النقض المصرية – تاريخ القرار 14/10/1944
{ان الاخذ باقوال الشهود منوط بتصديق المحكمة اياهم واطمئنانهم اليهم ولاسلطان لاحد على المحكمة في تكوين عقيدتها بما يدلي به الشهود امامها ما دامت هي لاتخرج في ذلك عما تحتمله اقوالهم ولايضير المحكمة الاستئنافية ان تذهب في ذلك تقدير اقوال الشهود مذهباً مخالفاً لتقدير المحكمة الابتدائية ولايكون عليها في هذه الحالة ان تفند الاسباب التي اعتمدت عليها المحكمة الابتدائية في وجه نظرها وانما يكفيها ان تكون وجهتها هي قائمة على ما يبررها}([66]).
- محكمة تمييز العراق – رقم القرار 35/شرعية/65 في 9/6/1965
{اذا شهد الشهود بخلاف الادعاء فلا يصح رد الدعوى بحجة تناقض الشهود مع الادعاء بل يلزم اعتبار المدعي عاجزاً عن الاثبات ومنحه حق تحليف خصمه اليمين}([67]).
محكمة تمييز العراق – رقم القرار 378 في 29/3/1982
{ان ترجيح شهادة شاهد على آخر هو من اطلاقات قاضي الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن اليه وان وجد انه ليس بملزم ان يبين اسباب هذا الترجيح ما دام لم يخرج باقوال الشاهد عما يؤدي اليه مدلولها}([68]).
- محكمة النقض المصرية
(({ان الاطمئنان الى صدق الشاهد مرده الى وجدان القاضي فهو غير ملزم بابداء اسباب لتبريره ولامعقب عليه في ذلك}.
{ان الاخذ باقوال الشهود منوط بتصديق المحكمة اياهم واطمئنانهم اليهم . ولاسلطان لاحد على المحكمة في تكوين عقيدتها مما يدلي به الشهود امامها مادامت هي لاتخرج في ذلك عما تحتمله اقوالهم}.
{لاتصبح شهادة الشهود ملزمة لمجرد تراضي طرفي الخصومة على ان يشهدوا شخصاً معيناً ثقة فيه واطمئناناً اليه لان اتفاقهما على ذلك لايقيد الحكم ولايلزمها بالفصل في الدعوى على مقتضى شهادة هذا الشخص ولايمنعها من الاخذ بشهادة غيره بل لايمنع الخصوم انفسهم من ان يشهدوا غيره}.
{ان اجراء التحقيق لاثبات وقائع يجوز اثباتها بالبينة ليست حقاً للخصوم يتحتم اجابتهم اليه بل ان ذلك متروك لمحكمة الموضوع ترفض الاجابة اليه متى رأت مما لها من سلطة التقدير انه لاحاجة لها به وان اوراق الدعوى والقرائن المستنبطة من هذه الاوراق ما يكفي لتكوين عقيدتها . وحسبها ان تبين في حكمها القرائن المقبولة التي استندت اليها والاسباب السائغة التي اعتمدت عليها في رفض طلب التحقيق}))([69]).
((الخاتمة))
بعد هذه الرحلة القصيرة في موضوع الشهادة ودورها في الاثبات في الدعوى المدنية يلاحظ بان الشهادة سوف تبقى من عناصر الاثبات المهمة لان طبيعة التعامل اليومي بين الناس تفرض عليهم اوضاعاً لايستطيعون تجاوزها فحركة البيع والشراء والاخذ والقبض والاستلام والتسليم للاشياء والمواد كلها امور جارية في المجتمع لايستطيع الافراد في كل حركة او عمل ان يطلب من المقابل دليلاً كتابياً بالأخذ او القبض او الاستلام لان المهمة سوف تكون شاقة على الجميع ويؤدي الى تقيد حرية الحركة والعمل والتبادل التجاري . فالثقة والسرعة في التعامل اليومي مطلوب من الجميع وعلى ضوء يكون للتعامل اليومي جدية اكثر وروحية تعامل اكثر حضارية وانسانية ولكن بما ان النفوس في يومنا هذا قد ضعفت بضعف الوازع الاخلاقي والديني وفقدان كثير من الافراد للقيم والاخلاق الحميدة في المجتمع يتطلب من الجميع الحذر في التعامل مع الاخرين والحذر من اقوال وشهادة الاخرين كذلك فلايمكن التساوي بين جميع الناس في قيمة شهادتهم ووزنها ولو ان ذلك ترك للمحكمة تقديرها ولكن ان يكون هناك ضوابط معلومة ومحددة للاخذ باقوال بعض الشهود او ردهم وان يكون هناك نظام للاستماع الى الشاهدات كما كان في العهد الاسلامي حيث كان للمحاكم الاسلامية وقضاتها مزكين وكانت تأخذ بنظام تزكية الشهود فكان هناك مزكين سريين للقاضي ومزكين علنين له وكان القاضي يستمع الى شهادة الشهود على ضوء تزكية المزكين ففي (تزكية السر يكون للقاضي شخص يسمى مزكي السر او الكاشف يسأل القاضي سراً عن الشاهدين اللذين يريدان ان يشهدا عنده في نزاع معروض فيذهب المزكي الى حيث يسكن الشاهدان او حيث يعمل به او الى المسجد حيث يصليان فيسأل عن احوال الشاهدين وفي سؤاله ياخذ باراء من يظنهم اصدقاء للشاهدين ومن يظنهم اعداء لهما بهدف التوصل الى صورة كاملة عن سلوك المرشحين للشهادة فان عرف القاضي في ذلك استقامة الشاهدين قبل شهادتهما وان عرف غير ذلك فللمستفيد من الشهادة البحث عن شاهدين اخرين)([70]).
(وفي تزكية العلانية يواجه المرشحون للشهادة بمزكين اثنين في مجلس القضاء فيقول المزكيان : هذا عدل او هذا غير عدل مثلاً وفي هذا النوع من التزكية يكون تعدد المزكي شرط في صلاحية الاجراء)([71]).
فحرياً بنا في الوقت الحاضر ان يكون لنا نظام كالنظام اعلاه او اجراء بعض التعديلات عليه تبعاً لتغيير الظروف والاوضاع فمن الحكمة مثلاً الاستعانة بمكتب الادلة الجنائية لمعرفة فيما اذا الشاهد من اصحاب سوابق قضائية من عدمها او السؤال من اهل محلته او منطقته او محل عمله بواسطة باحث اجتماعي يقوم بمهمة المزكي ويقدم تقريره للمحكمة على ضوء تحقيقاته.
صحيح ان القانون قد ترك حرية واسعة للقاضي في رد الشهادات او الاخذ بها حسب القناعة التي يتولد لديه عند الاستماع الى الشهادة ولكن مع ذلك لا ارى ضرراً من وجود نظام للاستماع الى الشهادة وان يقنن هذا النظام بقانون مثلاً في المستقبل وارجو من الله التوفيق لنا وللقائمين على تطبيق القوانين وان يهدينا الى العدل والاحسان والتطبيق السليم لروح القوانين التي من اسمى اهدافها هي تحقيق العدل للافراد جميعاً.
المصـادر
1- القرآن الكريم.
2- محمد علي ابراهيم الكرباسي، الموسوعة القانونية - قانون الاثبات، مطبعة العمال المركزية، بغداد.
3- ابراهيم المشاهدي، المباديء القانونية في قضاء محكمة التمييز، مطبعة الجاحظ، بغداد، 2007.
4- كيلاني سيد احمد، المباديء القانونية في قضاء محكمة تمييز اقليم كردستان العراق، مطبعة جامعة صلاح الدين، اربيل، 1999.
5- سةروةر علي جعفر وجمال صدر الدين علي، المختار من المباديء القانونية للقرارات التمييزية في محاكم اقليم كردستان العراق – بصفتها التمييزية، من منشورات مركز انما الديمقراطية وحقوق الانسان، مطبعة كارو، السليمانية، 2010.
6- محمد حبيب التيجاني، النظرية العامة للقضاء والاثبات في الشريعة الاسلامية مع مقارنات بالقانون الوضعي.
7- د. عصمت عبد المجيد بكر، شرح قانون الاثبات، 2006، المكتبة القانونية، بغداد.
8- عباس العبودي، احكام قانون الاثبات المدني العراقي، مطبعة جامعة الموصل، 1991.
9- د. سعدون العامري، موجز نظرية الاثبات، مجموعة محاضرات القيت على طلبة الصف الثاني كلية التجارة جامعة بغداد.
10- د. فخري ابو صفية، فقه القضاء وطرق الاثبات، دار الامل للنشر والتوزيع، اربد، الاردن، 2001م.
11- محمد علي الصوري، التعليق المقارن على مواد قانون الاثبات، 1983، مطبعة شفيق، بغداد.
12- د. سليمان مرقس، شهادة الشهود والقرائن وحجية الشيء المحكوم فيه والمعاينة والخبرة، من منشورات معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1974.
13- د. قدري عبد الفتاح الشهاوي، الاثبات مناطه وضوابطه في المواد المدنية والتجارية في التشريع المصري والمقارن.
14- د. احمد ابو الوفا، التعليق على نصوص قانون الاثبات، الاسكندرية، 1977.
15- د. انور سلطان، قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، الاسكندرية، 2005.
16- د. توفيق حسن فرج، قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، 2003.
الفهرست
الموضوع | الصفحة |
المقدمة | 1 |
المبحث الاول: شروط الاثبات بالشهادة | 3 |
اهلية الشاهد | 4 |
التطبيقات القضائية | 8 |
المبحث الثاني : نطاق الاثبات بالشهادة | 11 |
الحالات التي يجوز الاثبات بالشهادة | 11 |
الحالات التي لا يجوز الاثبات فيها بالشهادة | 12 |
الحالات التي يجوز فيها استثناءاً الاثبات بالشهادة | 14 |
التطبيقات القضائية | 19 |
المبحث الثالث : حجية الشهادة | 23 |
التطبيقات القضائية | 26 |
الخاتمة | 30 |
المصادر | 32 |
([1]) عباس العبودي، احكام قانون الاثبان المدني العراقي، ص5.
([2]) د. فخري ابو صفية، فقه القضاء وطرق الاثبات، ص94.
([3]) د. عصمت عبد المجيد، شرح قانون الاثبات، ص177
([4]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص75.
([5]) د. فخري ابو صفية، المصدر السابق، ص94.
([6]) د. فخري ابو صفية، المصدر السابق، ص97.
([7]) محمد الحبيب التيجاني، النظرية العامة للقضاء والاثبات في الشريعة الاسلامية مع مقارنات بالقانون الوضعي، ص220.
([8]) د. احمد ابو الوفا، التعليق على نصوص قانون الاثبات، ص245.
([9]) د. احمد ابو الوفا، المصدر السابق، ص246.
([10]) التعليق المقارن على مواد قانون الاثبات، محمد علي الصوري، ص842.
([11]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص845.
([12]) د. انور سلطان، قواعد الاثبات في المواد الحديثة والتجارية، ص152.
([13]) د. عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص190.
([14]) د. عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص196.
([15]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص285.
([16]) المباديء القانونية في قضاء محكمة التمييز، اعداد ابراهيم المشاهيري، ص325.
([17]) المصدر السابق، ص324.
([18]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص855.
([19]) المصدر السابق، ص858.
([20]) كيلاني احمد، المباديء القانونية في قضاء محكمة تمييز اقليم كردستان العراق، ص94.
([21]) المصدر السابق، ص94.
([22]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص859.
([23]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص295.
([24]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص702.
([25]) د. انور سلطان، المصدر السابق، ص129.
([26]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص296.
([27]) د. عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص210.
([28]) د. احمد ابو الوفا، المصدر السابق، ص213.
([29]) عصمت عبد المجيد، المصدر السابق، ص211.
([30]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص293.
([31]) د. سعدون العامري، موجز نظرية الاثبات، ص92-93.
([32]) د. سعدون العامري، المصدر الشابق، ص93.
([33]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص370.
([34]) د. انور سلطان، المصدر السابق، ص138.
([35]) د. انور سلطان، المصدر السابق، ص140.
([36]) د. عصمت عبد المجيد، المصدر السابق، ص208.
([37]) د. عصمت عبد المجيد، المصدر السابق، ص209.
([38]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص734.
([39]) كيلاني سيد احمد، المباديء القانونية في قضاء محكمة تمييز اقليم كردستان العراق، ص95.
([40]) كيلاني سيد احمد، المصدر السابق، ص95.
([41]) كيلاني سيد احمد، المصدر السابق ، ص92.
([42]) كيلاني سيد احمد، المصدر السابق ، ص84.
([43]) القاضي سةروةر علي جعفر وجمال صدر الدين علي، المختار من المباديء القانونية للقرارات التمييزية في محاكم اقليم كردستان، ص238.
([44]) علي محمد ابراهيم كرباسي، الموسوعة القانونية – قانون الاثبات، ص42.
([45]) علي محمد ابراهيم الكرباسي، المصدر السابق، ص42.
([46]) القاضي سةروةر علي جعفر وجمال صدر الدين علي، المصدر السابق، ص228-229.
([47]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص722.
([48]) المصدر السابق، ص722.
([49]) المصدر السابق، ص724.
([50]) المصدر السابق، ص725.
([51]) المصدر السابق، ص727.
([52]) د. توفيق حسن فرج، قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، ص156.
([53]) د. سليمان مرقس، شهادة الشهود والقرائن وحجية الشيء المحكوم فيه، ص64.
([54]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص808.
([55]) د. قدري عبد الفتاح، الاثبات مناطه وضوابطه في المواد المدنية والتجارية، ص263.
([56]) د. قدري عبد الفتاح، المصدر السابق، ص264.
([57]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص322.
([58]) د. سليمان مرقس، المصدر السابق، ص4.
([59]) د. سليمان مرقس، المصدر السابق، ص4.
([60]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص324-325.
([61]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص323.
([62]) كيلاني سيد احمد، المصدر السابق، ص92.
([63]) كيلاني سيد احمد، المصدر السابق ، ص92.
([64]) كيلاني سيد احمد، المصدر السابق ، ص93.
([65]) د. قدري عبد الفتاح، المصدر السابق، ص264.
([66]) د. سليمان مرقس، المصدر السابق، ص3.
([67]) ابراهيم المشاهدي، المصدر السابق، ص323.
([68]) عباس العبودي، المصدر السابق، ص322
([69]) محمد علي الصوري، المصدر السابق، ص816و817.
([70]) محمد حبيب التيجاني، المصدر السابق، ص229.
([71]) محمد حبيب التيجاني ، المصدر السابق، ص230.